العقيدة الإسلاميةنصائح ورقائق
الغلو كله مذموم في الاعتقاد والعمل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إخوتي وأخواتي إن ديننا كامل من كل النواحي بل هو بكل فخر الدين الوحيد الذي شمل كل النواحي اقتصادية كانت او اجتماعية، ضبط صوتك و مشيتك نظرك و سمعك وجميع امرك، قال تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82]
ستقولون نحن كمسلمين نعلم هذا كله ونؤمن به فنحن نعلم بأن القرآن كلام الله وأنه سلَّم للنجاة من النار والتمسك به وبسنة الحبيب المفر الوحيد، فلماذا هذا كله؟؟؟!
حسناً، بما انك أدركت هذا وآمنت به عليك المتابعة فقط، اجعل شعارك لا إفراط ولا تفريط كن بينهما، وقد زكَّى الله هذه الأمة بالوسطية فقال: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: 143]
كثير منا قرأ قوله تعالى في سورة النساء: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء: 171]
بالنسبة لي عندما قرأت هذه الآية لأول مرة لم أكن افهم منها إلا أن بها خطابا للنصارى نهي لهم ولم أفقه ماذا يقصد بالغلو.
معنى الغلو لغة وشرعاً
الغلو لغة: المبالغة ومجاوزة الحد.
الغلو شرعاً: مجاورة حدود ما شرع سواء كان ذلك التجاوز في جانب الاعتقاد او القول أو العمل، قال صلى الله عليه وسلم[1]: وإيَّاكم والغُلُوَّ في الدِّينِ فإنَّما هلك من كان قبلكم بالغُلُوِّ في الدِّينِ.
من صور الغُلو
تعددت أشكال الغلو وصوره، فمنه ما يكون في الاعتقاد ويتمثل في مجاوزة حدود الاعتقاد الصحيح إلى غيره من ضروب الانحراف
مثل: غلو النصارى في عيسى عليه السلام حتى جعلوه في مرتبة الألوهية، وغلو بعض المتصوفة بالرسول صلى الله عليه وسلم حتى ادعوا أنه مخلوق من نور رب العالمين وأن الكون خلق من نوره وأنه يتصرف بالكون وأنه ملاذ ومعاذ عند حلول الخطوب ونزول الشدائد فدعوا الى الإستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وصرف بعض أنواع العبادة له ومن ذلك إنشاء القصائد التي تحتوي على أنواع من الإستغاثة والتوسل والحلف، فلا يميِّزون بين حق الله وحق الرسول صلى الله عليه وسلم
الغلو في العمل: وقد حدث زمن النبي صلى الله عليه وسلم[2] فقد جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليهِم، فَقالَ: أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا، أما واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي.
وبما أننا نعلم كل هذا ونؤمن بأن ديننا كامل وأن التمسك به هو الطريقة الوحيدة للنجاة، علينا ان نؤمن به كما انزل وننزل كل أحد منزلته ولا نصرف أي نوع من العبادة إلا له سبحانه، وعلينا أن نعبد الله كما أمر ونبتعد عن تكلُّف العبادات، وإن أخطأنا فمن أنفسنا وإن أصابنا فمن الله والحمد لله رب العالمين.
1 مسند الإمام أحمد (3/ 257).
2 صحيح البخاري (5063).