الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله،أما بعد:
لقد خلق الله آدم عليه الصلاة والسلام ليستخلفه في الأرض، كما قال سبحانه وتعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 30].
وقبل هذا الاستخلاف وضعه في الجنة ليريه خبث الشيطان الرجيم الذي أضمره في نفسه عند خلق آدم حيث قال: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [الأعراف: 12].
ويشترك العهد القديم عند اليهود والنصارى مع القرآن الكريم في ذكر هذه القصة مع فروق جوهرية بينهما.
ولتوضيح تلك الفروق يجب دراسة الخطيئة الأولى دراسة مقارنة، ومن أجل ذلك قمت بكتابة هذا الموضوع، فنقول:
عندما خلق الله آدم في الجنة -وفقا للعهد القديم- وضعه في جنة عدن على الأرض وأنبت فيها الأشجار والزروع وشجرتين عظيمتين هما شجرة معرفة الخير والشر وشجرة الحياة.
وللتوضيح نقول: شجرة معرفة الخير والشر من يأكل منها يعرف الخير والشر، ومن يأكل من شجرة الحياة يحيا إلى الأبد؛ وهذا ما يوضحه الكتاب -كما سيمر معنا-.
إذا، آدم عليه الصلاة والسلام كان لا يعرف الخير من الشر، وكان حيًا بأجل في الجنة.
وهنا نسأل سؤال: كيف كانت طبيعة آدم عليه الصلاة والسلام؟
منطقيا، آدم عليه الصلاة والسلام كان له إحدى طبيعتين:
الطبيعة الأولى: طبيعة ملائكية طاهرة لا تقبل الخطأ أبدا، نقيَّة صافية.
الطبيعة الثانية: طبيعة بشرية تقبل الخطأ، ولكنه كان كالطفل غير مُكَلَّفَ لأنه لا يدري ولا يعلم الخير والشر.
وفي الحالتين يستحيل منطقيًا على الإله أن يأمره وينهاه، فكيف تأمر من طبيعته طاهرة لا تقبل الخطأ بعدم الوقوع في الخطأ؟! أو كيف تأمر الطفل الذي لا يدري شيء بحرمة فعل شيء؟ وهو لا يعرف ما معنى حرام، وما معنى أذى، وما معنى المعصية! أو ما معنى الموت! كما يقولون أن العقاب هو الموت.
إذا، فنهي الله آدم عليه الصلاة والسلام من الأكل من الشجرة دليل على أنه يفهم الخطاب ويعلم ما معنى الطاعة ويعلم ما معنى المعصية.
ودليلنا على ذلك أمرين:
الأمر الأول: حسب تسلسل أحداث القصة، كانت وصية الإله لآدم بحرمة الأكل من الشجرة قبل خلق حواء، ونجد في الحوار الثنائي بين حواء والشيطان المتمثل بالحيّة أنها قالت للحية أن الله نهاها وآدم عن الأكل من الشجرة، فأما أن يكون هذا تناقض وإما أن يكون آدم قد أخبرها بهذا التحذير الذي كان بمثابة تشريع إلهي آن ذاك!
الأمر الثاني: أن آدم كان يعرف معنى الموت المقصود من التحذير، لذلك قالت الحية لحواء لن تموتا بل ستعلمان الخير من الشر، فلو كان الموت المقصود هو التلطخ بالخطية ومعرفة الخير من الشر لما كان لكلام الحية أية معنى!
ثم إن هذا الحوار يوضح لنا شيئًا مهما: وهو أنَّه هناك قصور في تحذير الإله لآدم، فكيف يقول له أن الأكل من الشجرة يسبب الموت والشيطان يقول: لا، لن تموتا، وفعلًا لم يموتا بل علما الخير من الشر كما قالت الحية!
وفي هذه المناسبة تدور في ذهني خاطرة: الإله ضلل آدم بالموت إذا أكل من الشجرة بدل أن يوضح له الحقيقة بأن عينه ستنفتح ويصير كالإله فيعرف الخير من الشر = لأنه لا يريده أن يأكل من شجرة الحياة ويحيا إلى الأبد!
ثانيًا: علمنا أن الله خلق شجرتين مميزتين عن باقي أشجار الجنة وهما: شجرة معرفة الخير والشر وشجرة الحياة.
وكما في التوراة أن الله أخرج آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة لكي لا يأكل من شجرة الحياة ويحيا إلى الأبد، فهو بعد أن أكل من شجرة معرفة الخير والشر فهم ما يجري حوله وفُتِحَت عينه وصار كالله عالما بالخير والشر، وبالتالي خشي الإله عليه الأكل من شجرة الحياة.
وهنا لدينا سؤال مهم: طرد الإله آدم من الجنة حتى لا يأكل من شجرة الحياة، صح؟
إذا كيف سمح له قبل المعصية بالأكل منها ومن جميع شجر الجنة إلا شجرة معرفة الخير والشر؟
ربما تقول: كان قبل الأكل من شجرة معرفة الخير والشر لا يعلم مفعول الأكل من شجرة الحياة.
نقول: نعم، ربما لا يعلم مفعولها ولكن عدم العلم بأثرها لا يمنع أكثرها إذا أكل منها!
إذا، منطقيا نقول كان يجب على الإله منع آدم من الأكل من الشجرتين لاحتمال الأكل منها قبل الوقوع في الخطيئة.
وهنا قد يقول قائل: لا مانع عند الله من الأكل من شجرة الحياة قبل الوقوع في المعصية، وأما بعد أن تلطخت نفس آدم بالمعصية لم يسمح الله بالخلود بتلك الروح لأنه سيطهرها رحمة بخلقه.
وللإجابة على هذا الاعتراض نقول:
أولا: عندما خلق الله آدم أوصاه وصية عظيمة بإعمار الارض.
إذا، لو قلنا أن الإله لم تكن مشكلته الحياة إلى الأبد في طبيعة طاهرة، قولٌ منقوضٌ بأن آدم وحواء بطبيعتهما الطاهرة كانا لا يعرفان معنى الجماع، فكيف تحصل وصية الإله باستعمار الأرض؟
فلكي يستعمر البشر الأرض ويستخلفون بعضهم يجب أن تحصل عملية التكاثر.
ثانيًا: يعتقد النصارى أن الجماع موجود فقط عند المسلمين وفي عقولهم وجنتهم، فكيف يقبلون أن يقوم آدم وحواء بهذه العملية في الجنة بعد الخلود في الطبيعة الطاهرة؟
ستقول: لن يفعلا ذلك لأن طبيعتهما لم تتلوث.
نقول: إذا وصية الإله باطلة، إذا هناك خلل في الخلق!
وأخيرًا: الاعتراضات كثيرة على هذه القصة ولكن أحببت أن أنوه إلى هذا الجانب منها؛ وأما عندنا في الإسلام فالأمر بسيط وييسر فالله عندما خلق آدم خلقه بطبيعته البشرية التي هي طبيعة أي واحد منها طبيعة تقبل الخطأ وطبيعة تفهم الخطاب وتفهم خطورة المعصية، وليس عندنا إلا شجرة واحدة وليس لها خصوصية عن باقي الأشجار إلا أنَّ التكليف بالمنع من الأكل منها وقع عليها؛ وبالتالي فإسلاميًا التسلسل القصصي منطقي جدا على عكس ما ورد في العهد القديم والحمد لله.
جزاكم الله خيرا
اللهم آمين