الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالحمد لله على نعمة الإسلام، الذي لم يجعلنا نتصل بالله فحسب، بل الذي جمعنا على الإيمان والأخوة والمحبة، قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103]
والحمد لله على نعمة الإسلام، الذي به تتزكَّى الأنفس وتتطهر من دَرَنِ الشهوات والشُيُهات، ففي كل موقف يتعرض له المسلم لنا به آداباً ولنا به زكاتاً ولنا به حياة، وهذا إن دل فإنه يدل على كمال الشريعة الإسلامية مما يوحي بمصدرها الإلهي الحكيم العليم الرَّحمن بخلقه أجمعين والرَّحيم بالمؤمنين المُخلَصين.
فمن تلك الآداب، وللآداب الإسلامية لطائف منها: أنني إن التقيت أخي المسلم يُسَنُّ عَلَيَّ أن أٌلقي عليه السلام وأدعوا له بالرَّحمة والمَغفِرَة بقولي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وعند ذلك وَجَبَ عليه أَن يَرُدَّ علي السلام بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وهذا عند اللقاء وعند المفارقة، فسبحان من جعلنا نجتمع على السلام والدعوة لبعضنا البعض ونفترق عليه، بل ورد في السُنَّة لو تفرقنا بسبب شجرة أو حائط ثم التقينا في اللقاء الواحد ولو لثوانٍ معدودات، يُسَن لنا إلقاء السلام أيضاً، الحمد لله الحمد لله.
أخي الحبيب إفرح بهذا العمل اليسير الذي به تنال الدرجات وتتطهر من السيئات ويزيد لك رصيدك من الحسنات، فاحمد الله على هذه النعمة!!
إخوتي الأكارم يُسَن لمن عطس أَن يَحمَد الله تعالى بعد ذلك، ليس لأن الأطباء قالوا: إن أعضاء الجسم تتوقف وتعود للعمل فيجب حمد الله كما يقول البعض، بل لأن ذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال[1]: إذا عطس أحدُكم فليقلْ : الحمدُ للهِ ، وليقلْ له أخوهُ أو صاحبُه : يرحمُك اللهُ ، فإذا قال له : يرحمُك اللهُ ، فليقلْ : يهديكم اللهُ ويصلحُ بالَكم
والأصل أن الأمر إن أتى عن الرَّسول وَجَب السمع والطَّاعة لأمور:
أولها: أن طاعته من طاعة الله عز وجل, قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء: 80]
ثانيًا: لأن طاعته سبب لمحبة الله تعالى للعبد وعلامة على محبة العبد لله، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران: 31]
وغيرها من الأمور الكثيرة والثمرات الجليلة، فيا أخوة الإسلام المسلم كما قلت وأكرر لا ينظر الى الأمر أو الفعل هل هو سُنَّة أم فرض ليفعل أو لا يفعل، بل إن كان فرض يفعله عن إنقياد وقبول وتذلل لله عز وجل، وإن كان سُنَّة فيتقرب إلى الله به حتَّى يحبه، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال[2]: إنَّ اللهَ قال: من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه
إخوة الإسلام يُسَن لمن سمع أخيه يحمد الله عز وجل بعد العُطاس أن يقول له كما أوصانا الخليل صلى الله عليه وسلم، بأن نقول: يرحمُكَ الله، ثم يرد قائلا: يهديكم اللهُ ويصلحُ بالَكم.
فيا الله ما أجملها من أدعية وما أجمله من أخذ ورد بين المسلمين، جربها وستجد حلاوتها في قلبك، فإن الأرواح جند مجندة ما تعارف منها ائتلف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم[3], فكيف إذا تبادلت الأدعية والمحبة!
واعلم أخي الكريم أن هذا من حق المسلم عليك، لقوله صلى الله عليه وسلم[4]: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ : رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ
العطاس من الرَّحمن
لقد أخبر الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه أن العطاس من الله وأنَّ الله يحبه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال[5]: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ.
ومن أسباب ذلك ما سأنقله في آخر الموضوع من كلام ابن القيم رحمه الله
وقد اختلف العلماء في حكم وجوبه على كل من سمع العاطس (فرض عين) أم على بعضهم (فرض كفاية).
لا تشميت بعد الثالثة
قد يكون الإنسان مريضًا بالزُكام مثلا فيقوم بتكرار العطاس المرات الكثيرة، ولنا في ذلك آدابًا نبوية نذكرها إن شاء الله …
فعن سلمة ابن الأكوع
أنه سمع النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، وعطس رجلٌ عنده فقال له[7]: يرحمُك اللهُ، ثم عطس أخرى فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الرجلُ مزكومٌ.
حالة لا يجوز فيها تشميت العاطس
اعلم أخي الحبيب أن هذا الحق كفله الله لك! إن التزمت بالآداب التي شرعها، فمن حمد الله عز وجل بعد العُطاس كان على أخيه الحق أن يسأل الله له الرَّحمة أمَّا من لم يحمد الله فلا يلومن إلا نفسه!
قال النبي صلى الله عليه وسلم[8]: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ
سمته وشمته نفس المعنى
وورد عن أبي بردة أنه قال[9]: دخلت على أبي موسى ، وهو في بيتِ بنتِ الفضلِ بنِ العباسِ, فعطستُ فلم يُشمِّتْني, وعطستْ فشمَّتها . فرجعتُ إلى أمي فأخبرتُها, فلما جاءها قالت: عطس عندَك ابني فلم تُشمِّتْه، وعطَستْ فشمَّتَّها. فقال : إنَّ ابنَك عطس، فلم يحمدِ اللهَ، فلم أُشمِّتْه. وعطستُ، فحمدتُ اللهَ ، فشمَّتُّها. سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: إذا عطس أحدُكم فحمد اللهَ، فشمِّتوه. فإن لم يحمدِ اللهَ ، فلا تُشمِّتوه.
وقال العلَّامة السعدي رحمه الله تعالى[10]: فمـن لم يحمـد الله لم يستحـق التشميت، ولا يلومن إلا نفسه. فهو الذي فوت علـى نفسـه النعمتين: نعمـة الحمـد لله، ونعمة دعاء أخيه له المرتب على الحمد.
قال ابن عبد البر[11]: وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ عَطَسَ فَلَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ لَمْ يَجِبْ عَلَى جَلِيسِهِ تَشْمِيتُهُ وَفِي ذَلِكَ آثَارٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا.
كما لا يُشرَع تشميت العاطس أثناء الخُطبَة يوم الجمعة[12] ولا في الصلاة.
لا يُشَمَّت الصغير
إذا عطس الصغير فإنَّه لا يُشَمَّت إلا أنَّه بٌدعا له بالبركة فيُقال “بارك الله فيك” كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه الحافظ السلفي، فائدة من فوائد الشيخ صالح الفوزان من شرح منظومة الآداب الشرعية.
صيغة تشميت الكفار إن حمدوا الله
اعلم أخي الكريم أن الله تعالى وصف اليهود بالمغضوب عليهم كما في سورة الفاتحة وذلك لكفرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنَّهم كما قال فيهم: الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: 146]
فقد كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيعطسون ويحمدون الله رجاء أن يدعو لهم بالمغفرة لعلمهم أنَّه رسول الله فان النبي صلى الله عليه وسلم يَرُد عليهم بما يناسب حالهم
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال[13]: كان اليهودُ يتعاطسون عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يرجونَ أنْ يقولَ لهم يرحَمُكم اللهُ فيقولُ يَهْدِيكم اللهُ، ويُصْلِحُ بالَكُمْ
يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير
بعض الناس تراه عندما يريد العطاس يقول صيغة التشهد للباقة ولكي لا ينفر الناس منه فيقول: اَتِشْهَدْ، والغريب انه لا يحمد الله تعالى وكأن قصارى جهده أن لا تهتز صورته أمام الناس والعياذ بالله!
وكان الأجدر بهم أن يفعلوا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خفض الصوت بالعطاس مع حمد لله سبحانه وتعالى فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم[14]: كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو ثوبه وغض بها صوته.
كتم العطسة
لا داع للخجل من العطسة، فهي أمر طبيعي جدا يحصل مع الجميع، فالعلماء يحذرون من كتم العطسة لأنها تكون قوية جدا قد تؤدي إلى تمزق في الحلق وغيره من الأضرار
اعتقاد باطل
يعتقد الكثير من الناس أن المتكلم إن عطس الله أو عطس عنده أحد فهذا دليل على صحة كلامه وهذا باطل ليس عليه دليل صحيح
وجاء في ذلك حديث لا يثبت مفاده[15]: من حُدِّثَ بحديثٍ، فعَطِسَ عندَه، فهو حَقٌّ.
وأخيرًا أنقل لكم كلام العلَّامة إبن القيم رحمه الله[16]: ولـمَّا كان العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه، التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عَسِرة، شُرِع له حمدُ الله على هذه النِّعمة، مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها بعد هذه الزَّلزَلة، التي هي للبدن كزَلزَلة الأرض لها، ولهذا يقال: سمَّته وشمَّته بالسِّين والشِّين، فقيل: هما بمعنى واحد، قاله أبو عبيدة وغيره. قال: وكلُّ داعٍ بخير فهو مشمِّت ومسمِّت. وقيل: بالمهملة دعاء له بحسن السَّمت، وبعوده إلى حالته مِن السُّكون والدَّعة، فإنَّ العطاس يُحْدِث في الأعضاء حركة وانزعاجًا. وبالمعجمة دعاء له بأن يصرف الله عنه ما يُشَمِّت به أعداءه، فشَمَّته إذا أزال عنه الشَّمَاتَة، كقَرَّد البعير: إذا أزال قُـرَاده عنه، وقيل: هو دعاء له بثباته على قوائمه في طاعة الله، مأخوذٌ مِن الشَّوامت وهي القوائم. وقيل: هو تشميت له بالشَّيطان لإغاظته بحمد الله على نعمة العطاس، وما حصل له به مِن محابِّ الله؛ فإنَّ الله يحبُّه، فإذا ذَكَر العبدُ الله وحمده، ساء ذلك الشَّيطان مِن وجوه، منها: نَفْسُ العطاس الذي يحبُّه الله، وحمد الله عليه، ودعاء المسلمين له بالرَّحمة، ودعاؤه لهم بالهداية وإصلاح البال، وذلك كلُّه غائظٌ للشَّيطان، مُحْزِنٌ له، فتَشْمِيت المؤمن بغيظ عدوِّه وحُزْنِه وكآبته، فسُمِّي الدُّعاء له بالرَّحمة تَشْمِيتًا له، لما في ضمنه مِن شماتته بعدوِّه، وهذا معنى لطيف إذا تنبَّه له العاطس والمشمِّت انتفعا به، وعظمت عندهما منفعة نعمة العطاس في البدن والقلب، وتبيَّن السِّرُّ في محبَّة الله له، فلله الحمد الذي هو أهله، كما ينبغي لكريم وجهه، وعزِّ جلاله
—–
1 أبو هريرة رضي الله عنه: صحيح البخاري(6224)،(6226)
2 أبو هريرة رضي الله عنه: صحيح البخاري(6502)
3 أبو هريرة رضي الله عنه: صحيح مسلم(2638)
وعن عائشة رضي الله عنها: صحيح البخاري(3109) رواه الإمام البخاري عن عائشة مرفوعاً معلقاً وقد وصله في الأدب المفرد
4 أبي هريرة رضي الله عنه: صحيح البخاري(1240)، صحيح مسلم(2162)
5 أبي هريرة رضي الله عنه: صحيح مسلم(6223)، صحيح البخاري (6226)
6 أبو هريرة رضي الله عنه: صحيح مسلم(2162)
7 سلمة بن الأكوع: صحيح مسلم(2993)
8 محمد بن علي بن محمد الشوكاني: نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار، جـ 4 صـ 43
9 أبو بردة بن أبي موسى الأشعري: صحيح مسلم(2992)
10 عبد الرحمن بن ناصر السعدي: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، جـ 1 صـ 82
11 الاستذكار: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ) تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض
الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة: الأولى، 1421 – 2000 عدد الأجزاء: 9 جـ 8 صـ 482
12 شرح الممتع على زاد المستقنع: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)، دار النشر: دار ابن الجوزي، الطبعة: الأولى، 1422 – 1428 هـ, عدد الأجزاء: 15, جـ 5 صـ 109
12 موسى الأشعري عبد الله بن قيس: سنن الترمذي(2739), قال الإمام الترمذي: حسن صحيح
14 أبي هريرة رضي الله عنه: سنن الترمذي (2745) قال الألباني: حسن صحيح، الروض النضير (1109)
15 أبي هريرة رضي الله عنه: ضعيف الجامع(5556) قال الإمام الألباني: ضعيف
16 محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ): زاد المعاد في هدي خير العباد، مؤسسة الرسالة بيروت – مكتبة المنار الإسلامية، الكويت, الطبعة : السابعة والعشرون، 1415هـ /1994م، عدد الأجزاء : 5، باب: فصل في هديه صلى الله عليه وسلم جـ 2 صـ 438