بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لا شك أن طلب علم الشريعة خاصة والعلوم الدنيوية عامة، يسعى لنيل رحمة الله سبحانه وتعالى والفوز بالجنة لقوله صلى[1]: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا، سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنة.
وكان العلماء رحمهم الله يتعلمون من مشايخهم الأدب والأخلاق الحميدة قبل أن يتعلموا العلم، لأن الأدب هو الوسيلة الصحيحة لكثب الثمرة من العلم، فبالأدب يكون العلم نافعا، والعمل صالحا.
لذلك يقول الزرنوخي[2]: التملق مذموم إلا في طلب العلم، فإنه ينبغي أن يتملق لأستاذه وشركائه ليستفيد منهم.
فيجب على طالب العلم أن يقرأ ما سطر العلماء في الآداب التي على المسلم التحلي بها اتجاه ربه واتجاه نفسه واتجاه أقرانه وزملائه واتجاه كتابه واتجاه شيخه واستاذه.
فليحذر طالب العلم من الإعجاب بنفسه وبما اكتبسه من معلومات، ولا سيما مسألة نسبة جهود الآخرين لنفسه، فإن هذه سرقة ولا شك أنها ليست من سيما طلاب العلم!
قال ﷻ: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران: 188]
وقال ﷻ: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم: 32]
وقال ﷻ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء: 49]
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما من حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه[3]: إِنََّمَا الأَعْمَالُ بِالنِيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِ امرِئٍ مَا نَوَى.
فكل عمل لا يراد به وجه الله أو لا يُتقى الله فيه ليس له ثمرة عند صاحبه، ومن اتقاء الله تعالى نسبة كل قول إلى قائلة ومصدره.
قال السيوطي رحمه الله[4]: ومن بركة العلم وشكره عزْوُه إلى قائله (…) ولهذا لا تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفاً إلا معزوا إلى قائله من العلماء، مبينا كتابه الذي ذكر فيه.
وقال الإمام أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله[5]: يُقَالُ: إِنَّ مِنْ بَرَكَةِ الْعِلْمِ أَنْ تُضِيَفَ الشَّيْءَ إِلَى قَائِلِهِ.
قال الإمام المعلمي اليماني رحمه الله[6]: قبل: كُلُّ فَائِدَةٍ لَمْ تُسْنَدَ إِلَى صَاحِبِهَا فَهِي لَقِّيطَة، كِالطِّفْلِ المَنْبُوذِ الذِي لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ فِي المُنْتَسِبِينَ.
وإليك صورة مشرقة من الأمانة العلمية يقول الدكتور محمود الطناحي[7]: ومن أجمل وأحكم ما رأيته من مغالبة الهوى وقهر نوازع النفس مع عدم إغفال الرأي الخاص، ما ذكره شيخنا محمود شاكر في شأن مستشرق يهودي صحّح له خطأ وقع فيه فقال في ص 395 من طبقات فحول الشعراء:«وكنت أخطأت بيان ذلك في في طبعتي السالفة من الطبقات، فجاءتني من الأرض المقدسة التي دنسها يهود، رسالة رقيقة من ( م. ي. قسطر) فدلني على الصواب الذي ذكرته آنفاً؛ فمن أمانة العلم أذكره شاكراً كارهاً لهذا الذكر»! فانظر وتأمل كيف اعترف بالصنيعة وشكرها، ثم لم يخفِ ما في نفسه. انتهى
قلت: انظر إلى أمانته العلمية، هو لم يستشهد بكلام لذلك اليهودي في كتابه، هو لم يتقبل التصحيح من يهودي، بل ذاك اليهودي صحح له خطأ وقع منه في كتابه فذكر تصحيح الخطأ وذكر من صحح له ذلك في الكتاب نفسه الذي طبع وانتشر.
فلا يجوز أحبتي في الله نقل أي كلام وخاصة إن كان عِلميَّا وهاماً دون ذكر المصدر أو عند غيابه ذكر كلمة منقول أو ما يوحي بذلك، لأن عدمها يورث رفعة في النفس لا تستحقها من ثناء الناس عليك، وذاك أبعد عن التزوير ولا شك أن العلم والبركة بالعلم منحة إلهية فلا يُنال ما عند الله بمعصية الله!